بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياءِ والمرسلين، وعلى آله وصحبه اجمعين، أما بعد،


ماذا عساي أن اكتب؟! فقد يقرأ هذا، فيستحضر الظنون وهو يعلم أو لا يدرك ذلك، يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله، لا تقربوا كثيراً من الظنّ بالمؤمنين، وذلك أن تظنوا سوءاً، فإن الظانّ غير محقّ، وقال جلّ ثناؤه: { اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنّ } ولم يقل: الظنّ كله، إذ كان قد أذِن للمؤمنين أن يظنّ بعضهم ببعض الخير، فقال: { لَوْلا إذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمنُونَ وَالمُؤْمِناتُ بُأنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هَذَا إفْكٌ مُبِينٌ } فأذن الله جلّ ثناؤه للمؤمنين أن يظنّ بعضهم ببعض الخير وأن يقولوه، وإن لم يكونوا من قيله فيهم على يقين. وبنحو الذي قلنا في معنى ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثني أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ } يقول: نهى الله المؤمن أن يظنّ بالمؤمن شرّاً.
وقوله: { إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ } يقول: إن ظنّ المؤمن بالمؤمن الشرّ لا الخير إثم، لأن الله قد نهاه عنه، ففعل ما نهى الله عنه إثم." (1)
ولكننا نعيش في زمن الشبهات، فأنى له ألاّ يظن؟أتراني ادافع عنه؟ لا، وإنما أتهم نفسي معه، فقد ساندته في ان يجلب ظنه هذا!!، فنحن أيضاً علينا أن نقِ انفسنا من الشبهات، حيث قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (الحلال بين ، والحرام بين ، وبينهما مشبهات لا يعلمها كثير من الناس ، فمن اتقى المشبهات استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات : كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه ، ألا وإن لكل ملك حمى ، ألا وإن حمى الله في أرضه محارمه ، ألا وإن في الجسد مضغة : إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب). 


وفي الصحيحين أن صفية أتت النبي تزوره وهو معتكف، وأن رجلين من الأنصار رأياهما فأسرعا فقال النبي : { على رسلكما إنها صفية بنت حيي } فقالا: سبحان الله يا رسول الله. قال: { إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم وخشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً }، أو قال: { شراً }.


وأخيراً أقول بانه علينا ان نقِّ أنفسنا من الشبهات، وأن نجتنب الظن في الوقت ذاته، حتى نفوز إن شاء الله تعالى بالآخرة الباقية، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته... .


(1)- * تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ)