ومرّت أيام الأسبوع وجاءت فترة الإمتحانات، وكنّا حينها في الصف العاشر، وقد إنتهى الدوام الدراسي لهذا اليوم، إلاّ أنني كنت آخر من يخرج من الصف، وحينما ذهبت، رأيت أناس يجتمعون خارج بوابة المدرسة، وبادرنّ صديقاتي بالإستفسار، وقلن: ( أتعلمين ماذا يجري؟!)، زادت حيرتي بعدها عندما رأيت فتاة تبكي وهي تدخل إلى المدرسة، سألتها، فقالت وهي تلتقط الكلمات بصعوبة: (هنالك فتاتان تعرضن للدهس)، فأسرعت إلى المكان لأرى، وإذا بإثنتين من بنات صفي تعرضنّ للدهس بينما كنّ بجانب دكان المدرسة، إحداهما إصابتها متوسطة إلاّ أنها كانت تصرخ وبشدة، والأخرى كانت ملقاة على الطريق ودمها يسيل!، لم أعلم إن كانت لا تزال على قيد الحياة!!، والناس حولنا يبكون تارة، ويتساءلون عن الذي جرى تارة أخرى، وحضرت سيارات الإسعاف، وأخذوهن، ومرّت الأيام وحال الأولى جيداً جداً وعادت بعد فترة إلى التعليم، أما الثانية فكانت قد فقدت رؤيتها في إحدى عينيها.

وكنت بعد أيام من حصول الأمر هذا قد علمت من صاحبتنا التي كانت تغادر المدرسة مع الفتاة الثانية التي تعرضت للحادث، أن هذه الفتاة كانت قد دعت الله أن تقيم مدة الإمتحانات كلّها في المستشفى، وكان الله قد إستجاب لدعائها.


قال الله تعالى في القرآن الكريم: ، (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ، وقال تعالى: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ)، وكما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (الدعاء ينفع مما نزل و مما لم ينزل ، فعليكم عباد الله بالدعاء)، قال أيضاً: (لا تدعوا على أنفسكم ، ولا تدعوا على أولادكم ، ولا تدعوا على خدمكم ، ولا تدعوا على أموالكم ، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجاب لكم).
لذا فاعلموا أن الله قد يستجيب لدعائكم سواء كان لأنفسكم أو على أنفسكم، ولكن تذكّروا أن تدعوا الله بحذر.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
وددتُ أن أخبركم بأننا نعتذر حقاً لإنقطاع دام مدة شهرين تقريباً، إلاّ أننا والحمد لله ربّ العالمين لا زلنا هنا، حتى تزورنا المنية، وحينها نسألُ الله أن يتقبل سائر أعمالنا وما تركناه في هذه الدنيا علّه يكون بصمة خير فيها، وأن تكون إبتغاء مرضاة وجهه الكريم جلّ جلاله، اللهم آمين.
..
اللهم إنك عفو تحبُ العفو، فأعف عنّا، 
اللهم يا مقلب القلوب ثبّت قلبي على دينك، 
اللهم لا سهل إلاّ ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إن شئت سهلا يا ربّ العالمين، 
...
وإني متيقنة أن لكل منّا في هذه الدنيا قصص تارة سعيدة وتارة أخرى حزينة، فيتعامل معها ويعالجها بالطريقة التي تخصه وحده هو، إلاّ أن الإنسان وحده يبقى عاجزاً، ضعيفاً!!، فيلجأ إلى الله العظيم، العزيز، وإما يصبر أو ييأس، فمن يصبر فإن الله تعالى قد ذكره في القرآن الكريم مبشرا إياه قائلا:  [ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ]، وكما قال تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً)ورسولنا عليه الصلاة والسلام كان قد تعجب من حال المؤمن قائلاً: (عجبا لأمر المؤمن ، إن أمره كله له خير ، و ليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر وكان خيرا له ، و إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له)، وقال: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء ؛ و إن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضى ، و من سخط فله السخط).


وهنالك حزن كان كثيراً! حتى أذهبه حسن الظن بالله، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقول الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه حين يذكرني ، والله لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة ، ومن تقرب إلي شبرا ، تقربت إليه ذراعا ، ومن تقرب إلي ذراعا ، تقربت إليه باعا ، وإن أقبل إلي يمشي ، أقبلت إليه أهرول). 


وتلك الثقة بالله تكون حقاً حينما يوكل المرء شأنه كله لله عزّ وجل، وتزداد بتقوى الله الذي قال في القرآن الكريم: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}، وقال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}.


أستغفرُ الله الذي لا إله إلاّ هو الحيّ القيومْ، وأتوبُ إليه،
لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.